ضمن فعاليات مقرر علم النفس الإكلينيكي 2 (نفس 803)، قدمت الطالبة نورهان مدحت صلاح، من المستوى الثامن ببرنامج ليسانس علم النفس، عرضًا توضيحيًا قيمًا حول اضطراب "الألكسيثيميا" (Alexithymia)، وهو اضطراب فقد العواطف. وذلك يوم الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥،
جاء هذا العرض تحت إشراف أ. د. رشا عبد الفتاح الديدي وأ. د. هبة فتحي النادي، أستاذتي علم النفس بكلية الآداب، جامعة عين شمس.
شارك في هذا العرض أيضًا الطالبات:
سندس صابر
نورا زاهر ماكن
فاطمه محمد علي
امنيه فراج محمد
اسماء بيومي نصر
تناول العرض تعريف الألكسيثيميا وأعراضها، وأنواعها، وأسباب الإصابة بها، بالإضافة إلى علاقتها بالاضطرابات النفسية الأخرى والأمراض السيكوسوماتية والعضوية، والفروقات بينها وبين التبلد العاطفي، وتأثيرها على الجوانب الاجتماعية للفرد، وطرق العلاج المقترحة.
مفهوم الألكسيثيميا وأعراضها:
أوضحت الطالبة أن مصطلح "الألكسيثيميا" ظهر لأول مرة في أوائل السبعينيات، وتحديدًا عام 1972، على يد الطبيب النفسي الأمريكي بيتر سيفنيوس (Peter Sifneos). هذا المصطلح مشتق من أصل يوناني يعني "بدون كلام عن العاطفة". يمكن اختصار معناها بأنها "عدم قدرة الفرد على التعبير عن مشاعره". وتتضمن أعراضها صعوبة تحديد الأحاسيس والمشاعر والخلط بينها وبين الأحاسيس الجسدية، وصعوبة التعبير اللفظي ووصف المشاعر، ونقص القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، ومحدودية التخيل وندرة الأحلام، والتفكير الموجه نحو الخارج بشكل عملي وعدم التركيز على المشاعر الذاتية وفهمها.
أنواع وأسباب الألكسيثيميا:
على الرغم من أن العلماء لا يزالون يحاولون فهم الأسباب الكامنة وراء الألكسيثيميا، إلا أنه يُرجح أن تكون هناك عدة عوامل تساهم في حدوثها. تشمل هذه العوامل الوراثة، حيث تشير الأبحاث إلى مساهمة جينية كبيرة في تطورها، تصل إلى ما يقرب من 30-33%. كما تلعب العوامل البيئية دورًا مهمًا، مثل تجارب الحياة المبكرة (بما في ذلك التعلق المبكر) وتجارب الطفولة السلبية والتنظيم العاطفي. إصابات الدماغ التي قد تؤثر على مناطق مسؤولة عن التعاطف والمهارات الاجتماعية والمشاعر مثل القشرة الجبهية والجزيرة والقشرة الحزامية الأمامية يمكن أن تؤدي إلى الألكسيثيميا. إضافة إلى ذلك، التعرض للصدمة أو الإهمال في مرحلة الطفولة قد يسبب تغيرات في الدماغ تعيق الشعور بالعواطف وتحديدها لاحقًا.
وتُقسم الألكسيثيميا إلى نوعين رئيسيين:
الألكسيثيميا الأولية: تكون مرتبطة بالبنية الشخصية للفرد منذ الطفولة. غالبًا ما تكون ناتجة عن عوامل وراثية أو اختلافات في نمو الدماغ. لا ترتبط بحدث نفسي معين أو صدمة. وتكون ثابتة على المدى الطويل وغالبًا لا تتحسن بشكل كبير مع الوقت أو العلاج.
الألكسيثيميا الثانوية: تنشأ نتيجة لظروف معينة مثل التعرض لصدمة نفسية أو المعاناة من الاكتئاب والقلق. تُعتبر كنوع من الحماية النفسية من المشاعر المؤلمة. ويمكن أن تكون مؤقتة وتتحسن مع العلاج النفسي أو مع تحسن الحالة المسببة لها.
علاقتها باضطرابات أخرى:
قد تتعلق الألكسيثيميا بوجود مشكلات أخرى مثل الاكتئاب واضطرابات العواطف. من المحتمل ظهور أعراضها في حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الولادة والفصام. كما تعد الألكسيثيميا واحدة من الأعراض النمطية التي قد تظهر لدى مرضى التوحد، حيث تشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى حوالي نصف عدد المصابين بالتوحد يعانون أيضًا من عدم القدرة على التعبير عن المشاعر. قد تظهر المشكلة أيضًا في حالات الإصابة بمشكلات عصبية محددة مثل الجلطة الدماغية، وإصابات الدماغ المرضية، والتصلب المتعدد، ومرض باركنسون، والصرع، والزهايمر، وخلل التوتر أو الديستونيا.
وأوضحت الطالبة أن الألكسيثيميا ممكن أن تكون نتيجة لأمراض نفسية أخرى مثل التوحد، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الأكل. كما أنها ممكن أن تزيد احتمالية الإصابة بأمراض نفسية لأن الشخص الذي يعاني منها لا يفهم مشاعره ولا يعرف يعبر عنها، ولا يطلب المساعدة بسهولة، ويكبت مشاعره بداخله مما يزيده توترًا وضغطًا نفسيًا وجسديًا. توجد علاقة بين الألكسيثيميا وبعض الأمراض المزمنة مثل السكري، أمراض القلب، الأمراض الجلدية، وأمراض المناعة الذاتية. كما أن الكبت ينعكس على الجسم من خلال أعراض جسدية مثل آلام المعدة، القولون العصبي، الصداع المزمن، التعب، وارتفاع ضغط الدم.
التأثير الاجتماعي والعلاج:
هذا الاضطراب يؤثر بشكل مباشر على الجوانب الاجتماعية للفرد، لأنه يضعف القدرة على التواصل العاطفي، وهذا ممكن أن يؤدي لصعوبات في تكوين علاقات صحية أو الحفاظ عليها. الشخص الذي يعاني من الألكسيثيميا ممكن يُساء فهمه من الآخرين كأنه بارد أو غير مبالٍ، وهذا يزيد من شعوره بالانعزال الاجتماعي. كما ممكن يكون عنده ضعف في التعاطف، مما يقلل من جودة تفاعلاته الاجتماعية ويؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية والمهنية.
لا يوجد علاج محدد للعمى العاطفي أو الألكسيثيميا، ولكن هناك طرق تسهم في التعامل معه. من أبرز طرق العلاج المقترحة:
تحديد المشاعر باستخدام الإشارات البصرية: وهي أحد التحديات التي يواجهها المصاب، وفي هذه الحالة يتم استخدام إشارات بصرية من أجل سد الفجوة والتعبير بصورة أسهل عن مشاعره. يمكن استخدام ملصقات تعرض تعبيرات الوجه المرتبطة بمشاعر مختلفة. كما يمكن استخدام نموذج عجلة المشاعر من أجل تدريب المصابين على اختيار كلمات مناسبة للمشاعر.
تطوير الوعي العاطفي: يعد جانبًا مهمًا من جوانب التعامل مع عدم القدرة على التعبير، ويتضمن فهم المشاعر والتعرف عليها. من خطوات تعزيز الوعي العاطفي تدوين اليوميات للاحتفاظ بمذكرة لتدوين الأفكار والمشاعر على مدار اليوم، ومن خلال تتبع تلك المشاعر يمكن تحديد الأنماط المتكررة واكتساب نظرة ثاقبة في اكتشاف المشاعر، خاصة إذا كانت الإصابة نتيجة لإساءة أو صدمة. وأيضًا الإنصات إلى الآخرين، حيث عند الانخراط في الحديث مع الآخرين يجب التركيز على فهم مشاعرهم ووجهات نظرهم من أجل تطوير المفردات العاطفية.
العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يركز على تحديد أنماط التفكير والسلوكيات ومحاولة تغييرها. يستخدم المعالج التشجيع واكتساب الثقة والراحة، ويتطلب من المصاب التحدث بصراحة وقد يطلب المعالج واجبات منزلية والتواصل بين الأفراد والتركيز في علاقته مع الآخرين وتدريبات تعتمد على ما تعلمه من خلال الجلسات المنتظمة. ويمكن أن يتم عن طريق تحديد موقف أو الظروف المزعجة في حياتك، وإدراك أفكارك وعواطفك ومعتقداتك حول هذه المشكلات (الحديث مع النفس)، وتحديد التفكير السلبي أو غير الدقيق، وتعديل التفكير السلبي أو الخاطئ. إذا لم يشعر المصاب بتحسن، يمكن للمعالج أن يحدد الاستمرار في نفس المنهج أو تغييره.
العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يساعد هذا النوع من العلاج على تعلم التنظيم العاطفي والمهارات الاجتماعية وقد يكون مفيدًا لتحسين العمى العاطفي.
العلاج المتمركز على المشاعر (EFT): هو نوع متخصص من أنواع العلاج النفسي يستهدف الصعوبات العاطفية ويعزز النمو العاطفي، ويهدف إلى مساعدة الأفراد على فهم مشاعرهم وإدارتها من خلال استكشاف الأسباب الكامنة وراء التحديات العاطفية. ويوضح أنه يتكون من ثلاثة عوامل: كيف تتكون المشاعر، أهمية المشاعر في التفاعل الإنساني، وكيف ترتبط المشاعر بالأفكار والسلوك.
العلاج بالفن والموسيقى: يعد علاجًا إبداعيًا، ويمكن أن يساعد المصاب بالاستفادة على نحو أفضل من حالاتهم العاطفية من خلال التعبير الإبداعي بدلًا من التحدث.
يعكس هذا العرض الشامل مدى أهمية فهم الألكسيثيميا وتأثيرها على الأفراد، ويسلط الضوء على ضرورة طلب المساعدة المتخصصة لمن يعانون من هذا الاضطراب.
...
بقلم: ماركو مجدي عبد المسيح
سفير قسم علم النفس – كلية الآداب – جامعة عين شمس
ممثل الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA – القسم 17 عن علم النفس الإيجابي